أستحيي من أن أبتسم!
هون عليك يا صغيري .. لم تفقد أحدا بعد!
برْق الأمل لمع، وسناء السرور سطع ، وبسمة البهجة قد ظهرت على وجه شعبنا ، واعتقدنا أن زمن الفواجع قد ولى ... عندها شيدنا العمارات ، وفتحنا الأبواب ، وتشجعنا بقطع التأشيرات شوقا لقرة أعيننا ، وألبست أمهاتنا أجمل الثياب أفلاذ أكبادنا ، وهتفنا بأن هبّوا لنبن الوطن .التفتنا جانبا فإذا هي لا فتة " بان اسمعوا منا ولا تسمعوا منهم " ، فقلنا: اعلموا أن لا إكراه في الحياة. فقيل لنا: " تعنّتّم فانتظروا "
سقوف دكت وفوق رؤوس هوت، نفوس أهدرت، و دماء سالت ،هذا أنين لا يعلم مصدره، وهذه رائحة الموت تعم ، فكم من أوصال تقطعت، وأشلاء بريء تبعثرت واندثرت، حتى تطاير شظايا لا يعلم له قبر. هل أحدثكم عنه ؟ لايعرفه أحد، أحي أم ميت ؟ كل ما يعرف عنه أنه غاد باكرا وراح مفقودا.
مع أفول الشمس أفلت نجوم بيوت ، وانطفأت مصابيحها ؛ أطفال يتمت ، ونساء رملت ، عيون بكت ، وجفون منها الدموع جفت ، آهات وصرخات ، حال يرثى له ، تعتصر منه القلوب ، تتقطع نياط القلب ألما.
" هبنا جنينا ذنوبا لا يكفره * عذر فماذا جنى الأطفال والحرم ؟ "
ما لهؤلاء الأنذال لا يتركوننا لنرقد بسلام ؟ أجل ، لأنهم أنذال ، وذئاب خسيسة تتهرب من سوأتها ، حكايتهم شبيهة بالشواخص ، لا هي تعرف على من تدل ، ولا الموتى تعنيهم .
أتخالون أننا حمقى؟ ريما نحن كذلك عندما ندعو عليكم لعقود خلت ولم نحرك ساكنا ، أو ربما نحن أغبياء عندما لم نفق من غفلة الصالحين بعد المجازر والمذابح وبعد كل الذي فعلتموه.
أصبحنا أمام عنجهيتكم نبدوا كالمعتوهين ، وأصبحتم مقصلة على أعناقنا ، رغم ذلك أو تظنون أننا سنرحل ؟ فقد خسئتم إن حسبتم أننا سننتهي ، لا وألف كلا ، لن نكل ولن نمل ، كلا إننا باقون هنا ، هنا الصومال ، فالصومال لنا لا أنتم ، وستحيا بكل شبر صامدة حتى يمل الصبر.
أيها المغرور! هنيئا لك لعنات المئات من الأمهات المفجوعات ، ودموع الأبرياء المحرقات ، والثكالى المصدومات.
عجبا لهذا العالم، عالم يسوده الصمت المريب ، ألجمته المصالح الدنيئة ، كأنه يبارك ذلك بسكوته ! أين هو المجتمع الدولي الذي شرب حتى الثمالة من كؤوس النفاق ؟ هذا العالم الذي تحكمه سياسة الرجل الأبيض ، لا القلب الإنساني الأبيض ، عالم لم يهتز ولم يتزحزح لمذبحة المئات ، أي عدالة هذه ؟ أظن انني أعرف العلة الكامنة وراء الستار ، ربما بما أنهم أفارقة سمر فهم بمثابة ذبح دجاج مصاب بأنفلونزا الطيور.
أمتي المنكوبة والمسكينة ، بين فكي كماشة عضة العِدا وشماتة ... بماذا أسميهم ياترى ! إخواني أم شبه إخواني ؟
" مدي يديكِ فكم شربت تقهقرا * ولكم شربت من الزمان تقمعا
ارخي ستار الموت خلف مغاربي * كي لا أرى بعض المغارب مطلعا
أو حيلة الجوعان يأكل بعضه * ويموت في شبق الظلام تجوعا
أوّاه .. هذي الموبقات تكاملت * والجرح في صدري أينعا "
يا من يتفرجون علينا ! لن تسلموا من عقاب الله ولعنة التاريخ ، اسمعوا واحفظوا عنا: " عن قريب ننتهي من جهلكم ، لا نريد عقالكم ، ولا بعرانكم ، ولا دولاركم ، ولا نفطكم ، دعونا وشأننا ، لا ناقة لكم في وطننا ولا جمل. نحن أمة تكالب علها الأعداء ، وأثقلتنا النوائب حتى أضعفت أقدامنا عن حمل باقيها ، لا طاقة لنا في حمل عبئ آخر . ألا تفهموننا ! أليس منكم رجل رشيد! "
أيا أمتي، إلى متى هذا السبات العميق ؟ فقد اكتوينا من تعاملهم لنا كالقطط تلتقط من الشوارع
" هذي الدواء تفجرت من جرحه * بل كله جرح ولحم يفرم
قوموا يا من به صمم نقبر أهلنا * فما في الكفن سوى اللحم والدم "
فلكم الله يا أهل الصومال .. أهلي ، والله معكم ولن يترككم ما دام قد ترككم العالم
قولو للقلب الحقود الحسود : نحن أحرار ، ورددوا على مسامعهم ، نحن الشعب الأبي الشهم المضياف ، جبلنا على السكينة وقت الشدائد ، لا يموت أحدنا إلا مبتسما ، ولسنا نبكي قبل أن نأخذ الثار ، سنعيش كالشم الرواسي ، وليس في أرضنا صغير كل من فيها كبار.
" صبرا أيا وطني سنبلغ المحال * ومع سواد نحكي للصغار عن الصباح "
عذرا باسقات الطلع .. في الزمن الجديب ،
فلا تسيء الظن بي .. والذنب محتمل ،
ندفع طيش أجدادنا .. ونناضل لدفع العار عن أحفادنا ،
لكن عذري يافتى " مرغم أخاك لا بطل " ،
في طيات المحن منح ، وفي صفحات البلايا عطايا ، وإن فرج الله قريب ،
هون عليك يا صغيري .. لم تفقد أحدا بعد ،
يا صغيري هيا لنجلس على عتبة باب العزة إلى أن تستيقظ الأمة ، أما الآن فنكتفي بطرق الباب لعلها تستيقظ.
Comments
Post a Comment